السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
القصة التالية هي حال الامة ، وها هي قمة رجال الامة !!!
- كانت سيارة الإسعاف تشق طريقها بصعوبة فالسيارة قديمة، لأن الحادثة نفسها قديمة.. توقف السائق فجأة وأشار للسيارة التي تتبعه أن تتوقف فوقف سائقها على مضض .. لم يكلف أحد من ركابها نفسه عناء النزول كي يسأل سائق الإسعاف عن سبب توقفه رغم أن الرجل الراقد بداخلها يخصم بل هم يعيشون من خيراته وينفقون من ثرواته ويتحدثون باسمه ويوقعون بخاتمه.
- كانوا مشغولين كعادتهم بالثرثرة والنقاش المستمر بلا طائل.
-في النهاية اضطر سائق الإسعاف أن يهبط هو ويتوجه نحو سيارتهم .. صاح فيهم:
(الرجل مات)
-توقف المتحدثون لحظة واحدة ثم انطلقوا يثرثرون.
- أعاد السائق المندهش كلمته ثانية بصوت أعلى.
- لم يتوقف الحديث هذه المرة.. وإنما أشار إليه أحدهم أنهم يتشاورون بهذا الشأن.
-لفت انتباه سائق الإسعاف أنهم جميعاً يتحدثون في وقت واحدٍ.. وأن لا أحد منهم يصغي لما يقوله الآخرون.
- عاد إلى سيارته وراح يتفرس في ملامح الرجل الراقد بداخلها.. تداخلت مشاعر الإشفاق مع مشاعر النقمة في صدره حيال هذا الرجل.
- نعم .. نعم .. هو مشفق عليه لانشغال ذويه وأهله عنه، وهو ناقم عليه أيضاً لأنه لم يحسن تنشئتهم، فصاروا على هذه الهيئة التي رآها.
- أخيراً وجدهم يهبطون من السيارة اعتدل. في وقفته فقد توقع قدومهم لاستلام صاحبهم .. لكنهم.. ويا للدهشة لم يفعلوا .. بل وقفوا يثرثرون أيضاً.
- توجه مرة ثانية نحوهم .. عندما صار على بعد خطوة واحدة استطاع أن يتبين حديثهم هذه المرة.
- نكتب في النعي أنه قريب ونسيب
- لا .. لا .. بل نكتب نسيب أولاً ثم قريب
- ونقول إنه ولد في الفاتح من سبتمبر
- انتظر .. انتظر .. في الثالث والعشرين من يوليو
- أخطأتم .. أخطأتم .. بل ولد بعد ذلك بكثير
- اخرس .. أنت لا تعرف شيئاً
- اهدأوا يا جماعة .. لا داعي لأن نكتب يوم مولده في النعي
- نعم .. لكن لماذا تقولون وُلد ؟ قولوا بُعِث !! نعم .. بُعِث في العراق
- بل في سوريا
- أنت كاذب .. بل في العراق
- أنت خائن .. لم يُبعث إلا في سوريا
- انتظروا .. انتظروا .. سنقول أنه حصل على شهادة الدكتوراه من روسيا
- هل نسيت.. أم أنت عميل ؟! إنه حصل عليها من أمريكا
- بل من لندن .. قبل أن تغلق جامعاتها أبوابها
- صاح السائق المندهش:
- خذوا ميتكم.. ثم ثرثروا كما تشاءون
- نظر إليه أحدهم في غضب وانفعال:
- هذه أمور مهمة جداً .. أنت تجهل قيمة ما نفعله الآن
- عاد النقاش حامياً:
- لابد أن نكتب شيئاً عن انجازاته
- نعم .. نعم .. كان صاحب أكبر دكاكين لبيع الجاز
- والغاز أيضاً .. الغاز الذي يستخدم لملئ ولاعات سجائر الروثمان والمارلبورو والكنت
- صاح أحدهم:
- لقد وضع سائق الإسعاف الجثة على قارعة الطريق ومضي بسيارته
- هتف ثان
- النذل ... فعلها النذل
- لابد أن ننقل الجثة بسرعة
- نعم هيا ..
- لكن أين نضعها
- على الرصيف الأيمن
- بل الأيسر
- بل في الجزيرة الوسطي
- هذا حل معقول يرضي الجميع
- لا .. لابد من أن نضع الجثة كما قلت أنا
- فجأة توقف الحديث .. كان صوت طائرة هليكوبتر حربية يقترب
- اختبئوا .. إنها غارة جديدة
- انبطحوا أرضاً
- هاتوا لي ميكروفونا
- سأنادي عليهم أن الرجل مات (والضرب في الميت حرام)
- لا .. لا تفعل .. سيعرفون مكاننا وربما قصفونا نحن
- بعد عدة زخات في الهواء هبط الجنود وأحاطوا بالجثمان
- ماذا يفعلون ؟!
- لا أدري
- طوال عمرك لا تدري
- أخرس .. وهل كنت أنت تدري شيئاً
- اسكتوا .. انظروا .. قد يأخذون الجثة
- لا .. لم يفعلوا .. إنهم يرحلون
- فما هذا الذي أخذوه معهم
- هيا ننظر
- انتظر
- لقد رحلوا بطائرتهم .. لا تخف
- أسرعوا .. أسرعوا
- يا للأسف ..
- ماذا جري
- جردوه من ملابسه
- إنها إهانة شديدة لنا
- لابد من رد
- اصمت وكن واقعياً ..
- لا .. لن أصمت هذه المرة ..
- ماذا ستفعل يا مجنون
- سأصدر بيان شجب واستنكار
- باسمك أنت وحدك
- نعم ..باسمك أنت وحدك .. لا تحملنا عاقبة تهورك
- أنصحك أن تعدل عن هذه الفكرة
- انتظروا لا تخافوا .. سأقول في البيان إن ذلك يعرقل عملية السلام المنشودة بيننا وبينهم
- معقول .. معقول ..
- عليهم اللعنة شغلونا عن القضية الرئيسية
- أي قضية؟!
- كتابة النعي
- نعم .. نعم
- اذكروا في النعي شيئاً من مآثره
- كان يصلي في الكعبة
- تكذب حتى في شأن الصلاة .. بل كان يصلي في الأزهر
- مطلقاً .. كان يصلي في المسجد الأموي
- في مسجد محمد الخامس
- لا داعي للخلاف .. اكتبوا كان يصلي في المناسبات في أقرب المساجد إليه
- وكان يخرج الزكاة
- ويضعها في البنوك
- وكان يصوم
- ويفطر عند أذان الظهر
- وكانت أخلاقه حسنة .. وسيرته عطره
- اذكروا في النعي ميراثه العظيم الذي تركه لنا
- نعم .. نعم .. فلقد ترك لنا أرضاً محتلة
- ومصانع
- توقف أكثرها
- وبعنا باقيها وتربحنا منه
- وترك لنا أكثر من عشرين علماً
- وسلامات جمهورية
- وملكية
- وأناشيد .. وأغنيات
- وآلاف الشعارات
- وعدة مئات من السجون
- والمعتقلات
- انبطحوا .. لقد عادت الطائرة مرة ثانية
- يا للهول .. ماذا يريدون هذه المرة .
- لا تخف إنهم لن يقصفونا نحن مطلقاً ..
- إنهم لا يطلقون ناراً هذه المرة
- لقد أحاطوا به
- ما هذا .. انظر
- إنهم صبية صغار يتجمعون
- ماذا يفعلون
- إنهم يرمون الجنود بالحجارة
- المتهورون المتعصبون
- قل الخونة العملاء
- سيجلبون علينا الدمار .. ولن تفلح حجارتهم في صد الجنود
- انظر .. لقد بدأ الجنود فعلاً في الانسحاب
- سيعودون حتماً .. سيعودون ويعاقبون الجميع على ما يفعله هؤلاء الصبية الجوعى المشردون
- هيا بنا
- هات هراوتك كي نبعد الصبية عن جثمان الراجل ..
- أسرع .. أسرع
- اضرب .. اضرب
- لقد انتصرنا عليهم
- وفرقناهم
- ومزقناهم
- وحاصرناهم
- الجثمان له حرمة .. أيها العملاء .. إياكم أن تقربوا مرة ثانية
- لكن انظر
- ما هذا
- آثار جروح فوق الجثمان
- لابد أنها من حجارة الصبية السفهاء
- لا .. هي آثار آلات جراحية دقيقة
- تقصد ماذا؟!
- أقصد أن الجنود عبثوا بالجثة
- انظروا .. انظروا إلى وجهه
- لقد سرقوا قرنية عينية
- وسرقوا الكبد أيضاً
- يا للمصيبة .. إنهم قد حفروا حفرة تحت ضلوع الصدر
- هل سرقوا القلب
- لا .. لم يفعلوا بعد .. لكنهم حفروا نفقاً تحت الأضلع
- قد يسرقونه في مرة قادمة
- تعالوا بسرعة نتشاور
- بعد لحظات كان قرارهم قد صدر بقبول مفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر.